أطلقت قوات الأمن العراقية الجمعة النار على عشرات المتظاهرين في وسط بغداد في اليوم الرابع من حركة احتجاجية قتل خلالها 31 شخصا في البلاد.
وأطلقت قوات الأمن النار على المحتجين الذين يرفعون عدة مطالب منها رحيل المسؤولين “الفاسدين” ووظائف للشباب.
وكان العراق قد شهد الخميس اليوم الأكثر دمويّةً منذ انطلاق الاحتجاجات المطلبيّة الثلاثاء والتي راح ضحيّتها 31 شخصاً خلال مواجهات عنيفة غير مسبوقة بين المحتجّين والقوّات الأمنيّة.
وانطلاقاً من بغداد، ثاني العواصم المكتظّة بالسكّان في العالم العربي، امتدّت التظاهرات التي تُطالب برحيل “الفاسدين” وتأمين فرص عمل للشباب لتطال معظم المدن الجنوبيّة.
والخميس، تدخّلت مدرّعات القوّات الخاصّة في بغداد لصَدّ الحشود، فيما أطلقت القوّات الأمنيّة على الأرض الرصاص الحيّ الذي ارتدّ على متظاهرين نقلهم رفاقهم بالتوك توك.
وليل الخميس الجمعة، توجّه رئيس الوزراء العراقي، للمرّة الأولى منذ بدء الاحتجاجات، إلى الشّعب في خطاب متلفز بُثّ على وقع أصوات الطلقات الناريّة التي يُسمع دويّها في كلّ أنحاء بغداد.
لكنّ الخطاب لم يكُن على مستوى التوقّعات، إذ لم يُخاطب عبد المهدي المتظاهرين مباشرةً، بل دافع عن إنجازات حكومته وإدارته للأزمة الحاليّة، مطالبًا بمنحه فترة زمنيّة لتفيذ برنامجه، خصوصًا أنه لم يُكمل عامه الأوّل في السلطة.
,حث رئيس الوزراء المشرعين على دعمه لإجراء تغييرات وزارية.
وقال في كلمة بثها التلفزيون الرسمي ”نطالب مجلس النواب والقوى السياسة الالتزام الكامل بمنح رئيس مجلس الوزراء صلاحية استكمال تشكيلته الوزارية وإجراء تعديلات وزارية بعيدا عن المحاصصة السياسية“.
وأشاف عبد المهدي إنّ ما يجري الآن هو “تدمير الدولة كلّ الدولة… التصعيد في التظاهر بات يؤدّي إلى إصابات وخسائر في الأرواح”.
ودعا رئيس الوزراء إلى “إعادة الحياة إلى طبيعتها في كلّ المحافظات”، معلنًا في الوقت نفسه عن تقديم مشروع إلى مجلس الوزراء يقرّ بموجبه “راتبًا شهريًا” للعائلات التي لا تمتلك دخلاً.
وقال المتظاهر علي، وهو خرّيج عاطل عن العمل يبلغ من العمر 22 عاماً “نحن مستمرّون حتّى إسقاط النظام”.
وأضاف “أنا من دون عمل، أريد أن أتزوّج، لديّ 250 ديناراً (أقلّ من ربع دولار) فقط في جيبي، والمسؤولون في الدولة لديهم الملايين”، في بلد يحتلّ المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب منظّمة الشفافية الدوليّة.
أمّا أبو جعفر، وهو متقاعد غزا الشيب رأسه، فقال “أنا أدعم الشّباب. لماذا تطلق الشّرطة النار على عراقيّين مثلهم؟ هم مثلنا مظلومون. عليهم أن يُساعدونا ويحمونا”.
ويبدو هذا الحراك حتّى الساعة عفويّاً، إذ لم يُعلن أيّ حزب أو زعيم سياسي أو ديني دعمه له، في ما يُعتبر سابقةً في العراق.
ومع سقوط 31 قتيلاً، بينهم شرطيّان، 18 منهم في محافظة ذي قار الجنوبيّة وحدها، تحوّل الحراك الخميس إلى معركة في بغداد على محاور عدّة تؤدّي إلى ميدان التحرير، نقطة التجمّع المركزيّة الرمزيّة للمتظاهرين.
حظر تجول
ووصل المتظاهرون في بغداد على متن شاحنات، حاملين أعلام العراق وأخرى دينيّة عليها أسماء الأئمة المعصومين لدى الشيعة، على غرار تلك المعلّقة في شوارع العاصمة قبل ثلاثة أسابيع تقريباً من ذكرى أربعين الإمام الحسين، أكبر المناسبات الدينيّة لدى هذه الطائفة، بحسب ما أفاد مصوّر من وكالة فرانس برس.
وردّد المتظاهرون هتافات عدّة، بينها “بالرّوح بالدم نفديك يا عراق”.
وفي مواجهتهم، شكّلت قوات مكافحة الشغب والجيش حلقات بشريّة في محيط الوزارات، خصوصاً وزارة النفط.
وفي ساحة الطيران وسط بغداد، انقضّ المتظاهرون على آليّتَين عسكريّتَين وأضرموا النار فيهما، بحسب ما أفاد مصوّر من فرانس برس.
وأطلقت القوّات الأمنية مجدّداً الخميس الرصاص الحيّ لتفريق المتظاهرين، رغم حظر التجوّل الذي دخل حيّز التنفيذ فجراً.
وسيكون يوم الجمعة بمثابة اختبار سياسي مهمّ لرئيس الحكومة، مع الخطبة التي يُنتظر أن يُلقيها ممثّل المرجع الأعلى آية الله السيد علي السيستاني الذي يُعدّ رأيه حاسماً في عدد كبير من القضايا السياسيّة العراقيّة.
وإذ يبدو الحراك عفويّاً، قرّر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وضع ثقله في ميزان الاحتجاجات، داعياً أنصاره الذين سبق أن شلّوا مفاصل البلاد في العام 2016 باحتجاجات في العاصمة، إلى تنظيم “اعتصامات سلميّة” و”إضراب عام”، ما أثار مخاوف من تضاعف التعبئة في الشارع.
وفي أماكن أخرى من العاصمة وفي مدن عدّة، يُواصل محتجّون إغلاق الطرق أو إشعال الإطارات أمام المباني الرسميّة في النجف أو الناصريّة جنوباً.
“قوة مفرطة”
ويبدو أنّ الحكومة التي اتّهمت “معتدين” و”مندسّين” بالتسبّب “عمداً بسقوط ضحايا بين المتظاهرين”، قد اتّخذت خيار الحزم.
ودعت منظمة العفو الدولية بغداد في بيان إلى “أمر قوات الأمن على الفور بالتوقّف عن استخدام القوّة، بما في ذلك القوة المفرطة المميتة”، وإعادة الاتصالات.
وفي هذا الإطار، اعتبر عبد المهدي في خطابه أنّ القوّات الأمنيّة “تتقيَّد بالمعايير الدوليّة” وأنّ “هناك محاولات لركوب وتسييس التظاهرات”.
ومنذ مساء الأربعاء، بدا صعباً الدّخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، مع بطء شديد في شبكة الإنترنت.
وسُجّل انقطاع واسع للإنترنت في العراق وصل الخميس إلى نحو 75 في المئة، بحسب ما أفادت منظّمة متخصّصة.
وسعى المحتجّون في بغداد للتوجّه إلى ساحة التحرير التي يفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهوريّة حيث ضربت القوّات الأمنيّة طوقاً مشدّداً منذ الثلاثاء.
وقرّرت السلطات بعد أن أعادت في يونيو افتتاح المنطقة الخضراء التي كانت شديدة التحصين وتضمّ المقار الحكومية والسفارة الأمريكية، إعادة إغلاقها مساء الأربعاء، منعاً لوصول المتظاهرين.
وعادةً ما يتّخذ المتظاهرون من المنطقة الخضراء وجهةً لهم، نظرًا إلى رمزيّتها السياسيّة.
وطالت التظاهرات محافظات عدّة في جنوب البلاد، كمدينة البصرة النفطيّة التي شهدت العام الماضي احتجاجات دامية.
لكن رغم ذلك، لم تمتدّ التحرّكات إلى المحافظات الغربيّة والشماليّة، خصوصاً المناطق السنّية التي دمّرتها الحرب ضدّ تنظيم داعش، وإقليم كردستان العراق الذي يتمتّع بحكم ذاتي.
ويُعاني العراق الذي أنهكته الحروب، انقطاعًا مزمنًا للتيّار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات.
وتشير تقارير رسميّة الى أنه منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلّي الإجمالي للعراق.
المصدر : أ ف ب
اخبار عربية
0 التعليقات:
إرسال تعليق